-A +A
سعيد آل منصور ـ شرورة
تشغل العيون الحارة كل من يقترب من الربع الخالي، يتساوى في ذلك رواد أدب الرحلات الذين هبطوا إلى المنطقة قبل قرن من الزمان وركزوا على الجوانب الثقافية والاجتماعية، وعلماء الجيولوجيا الذين جابوا الصحراء أخيرا بحثا عن النفط، حيث كانت العيون الكبريتية المنتشرة في المنطقة القاسم المشترك بين الفريقين، رغم اختلاف المهمة، بل يعتبر المختصون أن العيون الحارة ستظل تشكل جزءا هاما من الكنوز المطلوب استثمارها منتجعا علاجيا، وجعل الربع الخالي مزارا للتشافي والتطبب من الأمراض الجلدية وأمراض الروماتيزم، كما هو الحال في الدول المتقدمة، وفي نهاية هذه الجولة تسلط «عكاظ» الضوء على هذه القضية الهامة، والرأي العلمي حول كيفية الاستفادة من هذه الآبار النادرة.

وحسب رأي استشاري الروماتيزم وهشاشة العظام وزميل الكلية الأمريكية للروماتيزم وصاحب أول موقع للروماتيزم باللغة العربية، الدكتور ضياء الحاج حسين ،فإنه يوجد عدد من الينابيع المعدنية الحارة في مناطق المملكة مثل مناطق جازان وعسير والليث
وتحتوي على مواد معدنية في شكل أملاح ومواد كيميائية مذابة، وتختلف درجة حرارة تلك المياه نتيجة لارتفاعها من أغوار بعيدة من طبقات الأرض أو لقربها من البراكين، وشاهدت صورا لبعض هذه الينابيع في صحراء الربع الخالي فأدهشني جمالها وعظمة الخالق، رغم أنها في وسط صحراء قاحلة ولكنها بحاجة إلى التطوير كما أنها تحتاج إلى اهتمام وعناية لاستقبال زوار هذه العيون الذين سيتوافدون عليها من كل مكان طلبا للعلاج والاستشفاء بإذن الله، ليصبح لدينا منتجع سياحي صحراوي يضاهي المنتجعات العالمية. وتعتبر صحراء الربع الخالي ثروة وطنية يجب استغلالها وتحسينها مثل الموجودة في الدول الأوروبية.
وأثبتت الدراسات الحديثة أثر المياه المعدنية الحارة الواضح والفعال على كثير من الأمراض الجلدية والروماتيزمية، حيث أشار الأطباء إلى أن مرض «الصدفية» يتحسن كثيرا على جلسات المياه الحارة، وكذلك الإكزيما، وبعض الأمراض الجلدية المزمنة، بالإضافة إلى التهاب المفاصل وجفاف وشيخوخة الغضاريف.كما تبين بأن حمام المياه الكبريتية يساعد على إزالة الألم، كما تحتوي هذه المياه المعدنية على الفوسفور الذي يستخدم في علاج الكسور وحالات نقص الفيتامين د وفي التشنجات العضلية، والكالسيوم الذي يمنع حالات هشاشة العظام. أما عنصر المغنيزيوم الموجود في هذه المياه فيساعد على تثبيت المعادن على العظام، إضافة إلى دور الزنك والسيلينويوم في تعزيز مناعة الجسم، وأيضا لهما أهمية في الوقاية من الأمراض عن طريق عدد الكريات البيض ،وأخيرا فإن النحاس مهم لفقر الدم والتهاب المفاصل.
طرق العلاج
ويضيف د . ضياء : بحكم تخصصي سأركز على استخدام المياه المعدنية في العلاج ، كإحدى الوسائل المهمة في العلاج الطبيعي، من خلال أربع طرق علمية هي:
ـ الطريقة الأولى: استخدام الماء الدافئ كوسيلة علاجية في أشكال عديدة مثل الكمادات الحرارية والحمامات الدافئة، وذلك لتقليل الشعور بالألم والتقلص العضلي، وكمسكن عام، ويساعد أيضا على امتصاص الالتهابات وعلى ارتخاء عضلات الجسم أثناء وجود الجسم في الماء، وتنشيط الدورة الدموية في الجسم، وتستغرق مدة العلاج في الجلسة الواحدة من 20 إلى 30 دقيقة.
ـ الطريقة الثانية: تختص بالماء المثلج ويستخدم كوسيلة علاجية مثل الكمادات الثلجية، وذلك لتخدير أو تسكين الآلام الحادة، وتقليل سبب حدوث الورم من أية إصابة، وخفض درجة حرارة المكان المصاب، وزيادة تقليص الأوعية الدموية والعمل على إغلاق بوابات الألم.
ـ الطريقة الثالثة: استخدام الماء في حوض مجهز لأداء بعض التمرينات العلاجية كعنصر مساعد أو مقاوم للحركة، وتمرينات إعادة تدريب المشي لبعض الحالات المرضية أو حالات ما بعد الجراحة.
ـ الطريقة الرابعة: وهي طريقة حديثة تعتمد على وضع بعض الوسائل الكهربائية العلاجية أو الأشعة فوق الصوتية تحت الماء لعلاج الاضطرابات الوظيفية للقدم أو اليد.
التركيب الكيميائي
ويؤكد طبيب العظام في مستشفى الملك فهد في جدة الدكتور تميم أمين ساعاتي، أن ينابيع المياه المعدنية الساخنة، أو كما يعرف باسم (geothermal water) غالبا ما تكون مستخدمة في الممارسات العلاجية لتخفيف أمراض العظام والأمراض الروماتيزمية وتنشيط الجسد والذهن. والعناصر الثلاثة التي تستخدم في الحمامات المعدنية للأغراض العلاجية لهذه الأمراض هي درجة حرارة الماء، الطين، المعادن والغازات الذائبة في الماء.
ويشير إلى أن ينابيع المياه المعدنية موجودة في جميع أنحاء العالم، ويقع كثير منها في المملكة العربية السعودية وخاصة في صحراء الربع الخالي، ولكن للأسف لم تستغل، مطالبا بإنشاء منتجعات صحية حول هذه الحمامات المعدنية المنتشرة في المملكة أسوة بالمنتجعات الشهيرة في العالم مثل منتجع ساراتوجا سبرينجز في نيويورك، وكالستوقا سبرينغس في كاليفورنيا، والينابيع الساخنة في أوروبا.
ويقول د . ساعاتي: إذا تابعنا استخدامات المياه المعدنية فإننا نلاحظ أن الينابيع والحمامات المعدنية استخدمت في كل الثقافات منذ بداية البشرية. ففي أمريكا مثلا الينابيع المعدنية كانت تستخدم من قبل السكان الأصليين كأماكن للشفاء والتبجيل. وفي وقت لاحق، عندما استوطن الأوروبيون البلاد أنشئت المنتجعات الصحية كما نعرفها اليوم. ويضيف: ازدهرت شعبية العلاج والشفاء بينابيع المياه المعدنية وكان ذلك في القرن الثامن عشر الميلادي ولكن الإقبال عليها تراجع بعد ذلك، ولأهميتها العلاجية أعيد اكتشاف فوائد الحمامات المعدنية من جديد، وأصبحت شعبية هذه المصحات في ارتفاع مستمر ، ولذلك فإن دراسة الاستحمام بالحمامات المعدنية العلاجية (Balneology) في أوروبا تحظى باهتمام بالغ، فحمامات العلاج أصبحت مقبولة كعلاج طبي هناك.
موانع الاستخدام
ولتحقيق الفوائد الكاملة للعلاج والتخفيف من أمراض العظام والأمراض الروماتزمية يشدد الدكتور ساعاتي على الاستمرار في العلاج بينابيع المياه المعدنية لعدة أسابيع، واستشارة الطبيب المختص قبل البدء في العلاج بحمام معدني، موضحا أن استخدام المياه المعدنية الساخنة جدا أكثر من درجة الحرارة المعتادة في حمام ماء المنزل قد تشكل خطورة على جسم الإنسان، فمن أهم موانع استخدام الحمامات هو ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والعديد من الحالات المرضية الأخرى والحوامل، حيث تؤدي إلى مضاعفات خطيرة إن لم تكن تحت إشراف طبي..
ويستطرد قائلا: إن حرارة المياه المعدنية في الحمامات قد تكون دافئة أو حارة، باردة أو حتى باردة جدا. كما يمكن أن تكون حمضية أو قلوية أو متوازنة، ويتوقف ذلك على أنواع المواد الذائبة في الماء، فبعض المياه المعدنية تحتوي على مادة الزرنيخ السامة (arsenic) ومواد سامة أخرى، ويجب ألا تستخدم للشرب أبدا، فهي مياه غير صالحة للشرب ما لم يسمح بذلك، ومن المهم معرفة أن الحمامات المعدنية تختلف في التركيب الكيميائي وفي أنواع الغازات الموجودة فيها. فالحمامات المعدنية المفيدة لصحة العظام والمستخدمة لأغراض علاجية يجب أن تحتوي على الأقل على واحد غرام لكل لتر من الكالسيوم والصوديوم، والمغنسيوم، والبوتاسيوم والكلوريد، ويعتقد أن غازات بيكربونات ثاني أكسيد الكربون الموجودة فيها مسؤولة عن تحسين الدورة الدموية وزيادة التروية للعظام والمفاصلن فيمدها بالأوكسجين اللازم لتحسين أداء الخلايا مما يؤدي إلى تحسن في حالة المريض والتخفيف من آلامه الروماتزمية، وكذلك الحد من تصلب والتهاب المفاصل بسبب الاحتكاك والخشونة (osteoarthritis) والتخفيف من أعراض مرض الروماتويد والأمراض الروماتزمية الأخرى.